تبون: كنا على استعداد للتدخل بصفة أو بأخرى لمنع سقوط طرابلس
أُسدل الستار قبل أيام على الانتخابات البلدية في مدينة مصراتة، وهي المرة الثالثة التي يختار فيها أبناء المدينة مصراتة مجلسا بلديا لإدارة شؤون المدينة، فأول مجلس منتخب كان “محليا” لعدم إقرار قانون المجالس البلدية حينها وحاز على شرف أول جسم منتخب في ليبيا بعد الثورة.
تأتي هذا الانتخابات في وقت دقيق وحساس تمر به ليبيا بعد كسر شوكة الانقلاب، حيث كانت المدينة وأبناؤها العمود الفقري لمعركة “بركان الغضب” التاريخية التي أبعدت شبح الاستبداد عن ليبيا، وتكمن حساسية الأمر في أن البلاد مُقدِمة على تسوية ربما تسهم في بعض الاستقرار، وبلا شك فإن الجسم البلدي المنتخب سيكون محطّ الأنظار في هذه التسوية خاصة على المستوى المحلي، فأبناء مصراتة الذين أطاحوا بالاستبداد والإرهاب يطمحون إلى جسم ينسجم ومستوى تطلعاتهم، ويوازن بين حاجة البلاد إلى الاستقرار، وعدم التفريط في حقوق ودماء الشهداء.
لعلّ من أبرز إيجابيات هذه الانتخابات أنها تمّت عن طريق نظام القائمة وليس الفرد، ما يعني أن القائمة الفائزة تدخل المجلس البلدي كفريق عمل ببرنامج واضح وأهداف محددة، وليس كما كان في السابق، حيث جاء الأعضاء الفائزون ببرامج وأهداف مختلفة، وانعكس هذا الأداء العام الذي سامه العجز في تقديم أدنى الخدمات للمواطن، علاوة على أن القائمة الفائزة تخاف من فشلها أكثر من خوف الأفراد؛ ما سيجعلهم يبذلون قصارى الجهود في النجاح وهو ما يعود بالنفع على البلدية والناس.
ورغم الإقبال الضعيف على صناديق الاقتراع، حيث لم يتجاوز الـ 28% من إجمالي المسجلين؛ إلا أنها شهدت اهتماما واسعا وزخما كبيرا من أبناء المدينة بها، وكانت منصات الإعلام المرئي والمسموع ووسائل التواصل الاجتماعي مزدحمة بالدعاية الانتخابية للمترشحين والقوائم، ما أعطى انطباعا واضحا بأن هناك وعيا عاما بأن الصندوق هو الحل الوحيد لاختيار الناس من يدير شؤونهم ويعمل على خدمتهم، يأتي هذا وسط حملة شعواء تقودها أياد ظاهرة وخفية تروج لفكرة أن الديمقراطية لا تجدي في توفير حياة كريمة للناس تحفظ حقوقهم وتصون أعراضهم وأموالهم وأنفسهم، حيث أصبحت هذه الدعوات نشازا وسط طوفان الدعوات للمشاركة في الاقتراع.
اهتمام الناس بالبرنامج الانتخابي للقوائم والمترشحين كان ملاحظا في هذه الانتخابات، وشريحة كبيرة من الناس تسعى لمعرفة البرنامج الانتخابي لمقارنة القوائم ببعضها، وليس البرنامج فحسب، بل كان الحديث كبيرا عن طلب الواقعية فيها، وبعض القوائم التي تحدثت في برنامجها الانتخابي عن “الوصول إلى الرفاهية” كانت مثار سخرية كبيرة بسبب “عدم واقعيتها”.
ربما الظاهرة الجديدة في انتخابات بلدية مصراتة هو التنوع الحاصل في القوائم والمترشحين، فشاركت قوائم محسوبة على النظام السابق، وقائمة للشباب، وكان هناك حضور لافت للمرأة، وتنافس محموم بين المترشحين من ذوي الإعاقة، ولا خلاف بأن هذا التنوع يصب في مصلحة العملية الانتخابية بشكل عام، حيث سعى الكل إلى تقديم أفضل المستويات للظفر بصوت الناخب، وهو ما يعود بالنفع على الصالح العام للبلدية في القادم.
هذه الإيجابيات كانت نتاجا لتراكم التجارب السابقة على مدار قرابة عشر سنوات، كانت فيها التجربة الديمقراطية الوليدة بعد الثورة تحبو في حقل من ألغام النظام القديم والإرهاب والعسكرة والفساد، وتحمل في طياتها مزيدا من التحسن في التجارب القادمة.
ختاما، أيّا كان الفائز في هذه الانتخابات، فلا شك أن المهمة التي ستكون أمامه لن تكون سهلة، وخدمة مدينة بحجم مصراتة سيحتاج إلى بذل جهود مضاعفة، وحشد كل الكفاءات واستنهاضها، والانفتاح على كل شرائح المجتمع ومكوناته الاجتماعية والسياسية، ودراسة مشاكل المدينة وتقديم ذات الأولوية فيها، والابتعاد عن المزايدات والجدليات العقيمة التي ستجر المجلس البلدي إلى مستنقع يصعب الخروج منه.
أكتب هذا المقال غاضا الطرف -بشكل متعمد- عن الوضع السياسي المتردي في البلاد، والأمل يحذوني في تسوية سياسية قريبة تبعد شبح الحرب وتبدأ في ترميم مشاكل البلاد ومنح البلديات المحلية دورها ومن بينها وأهمها بلدية مصراتة، والله ولي التوفيق، وهو من وراء القصد.
نقلا عن شبكة الرائد الإعلامية