تبون: كنا على استعداد للتدخل بصفة أو بأخرى لمنع سقوط طرابلس
على رأي المثل القائل: “في السياسة ليس هناك عدو دائم ولا صديق دائم” نلاحظ بأن المصالح التركية والأمريكية تختلف بين كل منطقة وأخرى في العالم تبعاً لاعتبارات كثيرة سياسية واقتصادية وجيوسياسية.
حيث أن مصالح واشنطن وأنقرة في سوريا شهدت كثير من التوتر، وحالات صعود وهبوط، وذلك لتعقد الملف السوري وقلق تركيا على أمنها القومي وموقعها الجغرافي وتحالفاتها المتناقضة مع الأطراف المتصارعة في الملف السوري وغيرها من الأسباب.
إلا أنه، وبحسب كثير من الخبراء والمراقبين، فإن التغيير الكبير الذي شهدته سوريا والمنطقة في 8 ديسمبر الماضي متمثلاً بسقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، وسيطرة فصائل المعارضة السورية بقيادة “هيئة تحرير الشام” وعلى رأسها أحمد الشرع على السلطة في دمشق، سبب الإرباك لكثير من دول الإقليم والعالم وأجبرها على البدء بصياغة نهج جديد للتعامل مع الملف السوري بما يتوافق مع الواقع الحالي. وهنا بدأت تطفو على السطح كثير من المؤشرات التي تشير إلى خلافات كبيرة بالمصالح بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا في سورياـ وتلوّح بتصعيد مستقبلي يهدد أمن المنطقة برمتها.
ملامح خلافات تركية أمريكية في سوريا
في سياق متصل، أكد المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي بأن “هيئة تحرير الشام” في سوريا ترسل بعض الإشارات لواشنطن، ولكن الإدارة الأميركية لا تنوي رفع اسمها من قائمة المنظمات الإرهابية. مشيراً إلى أن الموقف الأميركي بشأن هذه القضية لم يتغير. يأتي ذلك قبيل أسبوع من مغادرة الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة بايدن للسلطة، وتسلم دونالد ترامب مقاليد الحكم في البلاد.
إضافة لتصريحات كيربي، أكد الباحث المتخصص بالشؤون التركية رامي سعد الدين بأنه يوجد كثير من المؤشرات التي تزيد احتمال الصدام المسلح بين القوى المدعومة أمريكاً، أي قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والقوات المدعومة تركياً، أي “هيئة تحرير الشام” والجيش الوطني، والجماعات المسلحة المنضوية تحت رايتهم. ولعل أبرز وأهم هذه المؤشرات، هو رغبة تركيا بالتخلص من القوة العسكرية الكردية المتمثلة بـ “قسد” التي تحمي المصالح الأمريكية، حيث نفذت القوات التركية مع الجيش الوطني وكل قوى المعارضة السورية المسلحة، ضد الأكراد وقوات “قسد” عدّة عمليات عسكرية في السنوات الماضية في الشمال السوري، أبرزها: عملية “درع الفرات” 2017، وعملية “غصن الزيتون” 2018، وعملية “نبع السلام” في 2019، الرامية إلى إنشاء “منطقة عازلة” على الحدود السورية لمنع إقامة كيان كردي مستقل حسب مصادر تركية. وما يؤكد ذلك، إعلان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في ديسمبر الماضي أن القضاء على الميليشيا الكردية المدعومة من الولايات المتحدة هو “الهدف الاستراتيجي” لبلاده، داعياً المعارضة المسلحة المدعومة من أنقرة، إلى عدم الاعتراف بـ “ميليشيا قسد”.
وبحسب سعد الدين، فإن المؤشر الأخر هو رغبة الولايات المتحدة ومن ورائها بعض الدول الغربية الحفاظ على مناطق نفوذهم في سوريا والمتمثلة بمناطق سيطرة “قسد” وقاعدة “التنف”، لأنها الأغنى بالنفط والغاز والذي تقوم واشنطن بسرقته وتصديره بشكل منتظم.
أما المؤشر الثالث وفقاً لسعد الدين، فهو رغبة تركيا من الجانب الأخر بالسيطرة على مناطق شرقي الفرات الأغنى في سوريا بالنفط وبالثروة الزراعية، لتمكين الحكومة الجديدة من حل الملف الاقتصادي، لأن الاقتصاد التركي لا يستطيع أن يغطي حاجات سوريا، ولا يمكنه تحمل هذا العبء خاصة بعد أن أوقفت إيران إمدادات النفط إلى سوريا.
ماذا تخطط واشنطن لمواجهة النفوذ التركي
بحسب الباحث المتخصص بالشؤون الأمريكية سمير الهندي، فإن واشنطن بحكم أنها الداعم الأكبر لإسرائيل فلا يمكن فصل سياسة الدولتين عن بعضها، بل يمكن التأكيد بأن كل الخطوات التي تقوم بها إسرائيل في المنطقة هي بتنسيق ودعم أمريكي مباشر.
وأكد الهندي بأنه فيما يخص الملف السوري، وبعد ظهور بوادر خلافات بين واشنطن وأنقرة، فيما يخص المناطق الكردية وعدم رفع اسم “هيئة تحرير الشام” من قوائم الإرهاب، وعدم تخلص تركيا من التفاهمات مع الروس في سوريا، كما كانت تأمل واشنطن، وازدياد خطر شن الادارة السورية بدعم تركي هجوماً على “قسد”، انتشرت بعض المعلومات نقلاً عن مصادر دبلوماسية حول اتفاق أمريكي-إسرائيلي، على بدء إسرائيل هجوماً برياً في الجنوب السوري في حال بدأت قوات الإدارة السورية الجديدة بقيادة “هيئة تحرير الشام” ودعم تركي، بمهاجمة مناطق سيطرة “قسد” والقوات الأمريكية لإضعاف قدرة “الهيئة” على الهجوم واجبارها على التراجع لحماية الجنوب.
بالإضافة إلى ذلك، أكد الهندي بأن واشنطن لن تترك الثروات الباطنية السورية لتركيا، كما أن قاعدة “التنف” الواقعة جنوب شرق سوريا مهمة للغاية بالنسبة للولايات المتحدة، فبمساعدتها تمكنت منذ فترة طويلة من منع تمدد الصادرات التجارية الصينية إلى الشرق الأوسط.
وأشار الهندي إلى أن ما يؤكد رغبة واشنطن بالتفرد بالملف السوري وتهميش تركيا، هي زيارة الوفد الأمريكي لسوريا في ديسمبر الماضي، والذي اقترح على الهيئة إجراء مفاوضات بين الحكومة السورية الجديدة و “قسد”، في إشارة لرغبة أمريكية بالسيطرة على الملف السوري وتهميش تركيا. إلى جانب استثمار واشنطن لورقة التمدد الإسرائيلي، وقدرتها على الضغط على إسرائيل لإيقاف توغلها في الجنوب السوري.
وختم الهندي حديثه، مؤكداً أن خلاف المصالح الأمريكي-التركي، يهدد أمن المنطقة ويلّوح بعودة الحرب والاقتتال الداخلي الذي سيعيد المنطقة لنقطة صفر وسوف يصعّد من نشاط تنظيم “داعش” وغيره من الجماعات الارهابية.
تقرير :المركز الأوربي لدراسات الشرق الأوسط وشمال افريقيا