تبون: كنا على استعداد للتدخل بصفة أو بأخرى لمنع سقوط طرابلس
بدأت تلوح في الأفق ملامح تقارب جديد بين تركيا وبعض القيادات السياسية والعسكرية في الشرق الليبي، برعاية أمريكية غير معلنة، ما أثار ردود فعل متباينة في الأوساط السياسية والمراقبين للشأن الليبي، خصوصًا وأن أنقرة، التي لطالما دعمت حكومة الغرب في طرابلس خلال سنوات الصراع، تسعى الآن إلى إعادة تموضعها السياسي عبر قنوات دبلوماسية جديدة في شرق البلاد أيضًا، حيث يسيطر قوات خليفة حفتر، بالإضافة إلى وجود اهتمام ودعم كبيرين من قبل الولايات المتحدة الامريكية تجاه هذا التقارب.
بدأت ملامح التقارب تخرج إلى العلن بعد أن أجرى رئيس أركان قوات الكرامة صدام حفتر زيارة إلى أنقرة مطلع أبريل الجاري، والتقى خلالها بالفريق أول سلجوق بايراكتار أوغلو في مقر رئاسة القوات البرية التركية بمنطقة جانكايا في العاصمة التركية أنقرة.
وكشفت مجلة “جون أفريك” الفرنسية لاحقا أن زيارة صدام حفتر تطرقت إلى اتفاق على تدريب القوات العسكرية لقوات حفتر على تسيير الطائرات من دون طيار التركية، وتعاون عسكري بعدة مجالات.
وقالت صحيفة “تركيا اليوم” إن هناك مساحة للحوار بين الأطراف في شرق ليبيا وغربها، مشيرة في افتتاحيتها إلى خطوات سريعة تتخذها أنقرة للتقرب من الأطراف في الشرق الليبي.
وبحسب تقارير إعلامية متقاطعة، فإن واشنطن تلعب دورًا محوريًا في هذا التقارب، سعيًا منها لدفع الأطراف الليبية المتنازعة نحو تسوية شاملة لإحكام قبضتها على هذه الدولة الغنية بالنفط وإنهاء الأزمة السياسية والأمنية المستمرة منذ 2011.
غير أن هذا التحول المفاجئ في المواقف التركية – المدعومة أمريكيًا، يثير مخاوف لدى مراقبين ومحللين، يرون أن ما يجري قد يكون محاولة لـ “تفكيك” معسكر الشرق من الداخل، عبر اختراقه سياسيًا بدلًا من المواجهة المباشرة.
ويذهب البعض إلى اعتبار هذا الانفتاح التركي وفكرة توحيد الجيش قد تؤدي إلى إضعاف المشير حفتر أو حتى عزله عن المشهد السياسي لصالح شخصيات أكثر مرونة في التعاطي مع الأجندات الغربية.
حيث يرى الباحث والخبير السياسي محمد الخلدون، أن حفتر لم يدخل يومًا في حسابات واشنطن أو أنقرة، كشريك أو حليف، وفي أكثر من مناسبة حاولت كلا الدولتين اقصائه سياسيًا، ابتداءً من محاربته علنًا عندما أطلق عملية عسكرية للسيطرة على طرابلس، وإرسال تركيا السلاح والعتاد لتحقيق ذلك، مرورًا بملف انساني حرك قضية في محكمة فرجينيا في الولايات المتحدة، حكمت ضده غيابًا، وصولًا إلى مسألة إقصائه عن الانتخابات كان مزمع عقدها في ديسمبر 2021، عن طريق البعثة الأممية للدعم في ليبيا، هيمنة واشنطن على عمل البعثة.
ولفت الباحث والخبير السياسي إلى أن الأمم المتحدة اتهمت ضمنيًا نجله صدام حفتر، بتهريب النفط الليبي، وذلك بضوء أخضر ومباركة أمريكية أيضًا بحكم نفوذها الكبير في المنظمة.
وبحسب الخلدون، فالتقارب التركي مع قادة الشرق يأتي ضمن استراتيجية أمريكية – تركية تهدف إلى تقليص قوة خليفة حفتر عسكريًا على الأرض، من خلال رؤية “الجيش الموحد”، وذلك بدمج قوات المشير وتجزئتها في مؤسسة عسكرية أوسع، تشمل قوات معسكر الغرب الليبي المدعومة تركيًا، وبالتالي تقليص نفوذ حفتر على قواته، وتحجيم موقعه على الساحة السياسية.
وحذر الباحث والخبير السياسي من خطورة توحيد الجيش الليبي برعاية تركية – أمريكية بلا ضمانات مسبقة، ومع عدم وجود أرضية آمنة تضمن عدم تحويل هذا الجيش إلى أداة تحقق الأجندات الغربية في ليبيا، بدلاً من صون مصالح ومقدرات الشعب الليبي.
مضيفًا أن التدخلات الغربية هي من أوصل البلاد إلى هذه المرحلة العصية عن الحل، ومن يعرقل أساسًا طموحات الشعب الليبي بتحقيق مصيره بنفسه.
وتجدر الإشارة إلى أن واشنطن مهدت للتقارب التركي مع معسكر الشرق الليبي بعد أن أجرى نائب قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم” الفريق جون برينان، مباحثات مع مسؤولين عسكريين ليبيين من معسكر الشرق والغرب، وعمل على الترويج لمخطط تشكيل قوى عسكرية أمنية مشتركة وتوحيد المؤسسة العسكرية في البلاد.
حيث أجرى برينان في طرابلس لقاءات مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، وعدد من قادة القوات العسكرية التابعة لحكومته، من بينهم رئيس الأركان العامة الفريق محمد الحداد، كما عقد الوفد العسكري الأميركي اجتماعاً في بنغازي مع قائد قوات الكرامة خليفة حفتر، ونجله رئيس أركان القوات البرية صدام حفتر.
استشهدت عدة صحف عربية بتقرير للأمم المتحدة يتهم ضمنيا صدام نجل خليفة حفتر بـ “تهريب” النفط من خلال النفوذ غير المباشر عبر شركة نفط خاصة تعمل في “مبيعات النفط الخام”.
الكاتب الدكتور / محمد الصادق الكاتب والباحث في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الدولية.