تبون: كنا على استعداد للتدخل بصفة أو بأخرى لمنع سقوط طرابلس
ليبيا جزء من الموضوع وليست الموضوع كله..
فتركيا التي استطاعت أن تحل محل النفوذ الروسي في الجمهوريات المسلمة وسط آسيا، وفي البلقان بما فيه صربيا وليس فقط الدول ذات الأغلبية المسلمة، وفي القرن الإفريقى خاصة الصومال والآن إثيوبيا، أعطت لصانع القرار الأميريكي الثقة في أنها تستطيع أن تفعل نفس الشيء فى ليبيـا، ويعتبر الأمريكيون ذلك خدمة لهم ولذلك فهم يعدون تركيا بالمقابل برفع التبادل التجاري معها إلى 100مليار دولار أي 400%من وضعه الآن عن طريق اعتبارها من دول المعاملة التفضيلية. صانع القرار الأميريكي يرى.. أن النموذج السياسي الاقتصادي التركي هو الأنجح بين الدول المسلمة السّنية، وأنها قادرة عن طريق قدرتها العسكرية الحديثة أن تستعيد الاستقرار فى ليبيـا، وقد أبلغت واشنطن الآخرين بضرورة عدم عرقلة ذلك مع ضمان حقهم في “حدود آمنة ومشاركة مجدية في أعمال إعادة الإعمار” رأينا أثر ذلك في منعطف خطاب السيسي الأخير .. تركيا ليست تابعا للولايات المتحدة.. فقد سبق وأن اتخذت مواقف متعارضة معها مثل الحرب ضد الأكراد ورفض استفتاء كردستان وكذلك عدم التعاون معهم في حربي الخليج، ولكنها حليف، بل أهم الحلفاء فى شرق أوروبا نتيجة قدراتها وموقعها الجغرافي المتميز .. كما أن الناتج العام التركي.. يساوى 300% من الناتج المصرى، ويتفوق على الناتج السعودي وهو يقوم على تصدير المنتجات المصنوعة أو المزروعة وتبلغ 180مليار دولار سنويا، أي أنها تودع قيمة مضافة في المجتمع التركي موزعة على كافة مناطق الإنتاج، وليست فقط خامات تصدّر كما هي ويعود ريعها للحكومة أو الأسرة الحاكم، والأمريكيون يفهمون ذلك جيدا.. عسكريا .. الجيش التركي بالنسبة للأمريكيين مجرب ويقوده جنرالات عملوا سابقا في الناتو وأثبتوا جدارتهم، كما أنه صار قادرا على تسليح نفسه من خلال قاعدة صناعية متقدمة تقوم بالمشاركة مع الأمريكيين في تصنيع أسلحة متطورة منها الصاروخ كروز بعيد المدى الذي سيحسم أي مواجهة على الأرض الليبيـة حيث يمثل ذراعا طويلة ومدمرة لا يملكها إلا هم وأمريكا وإسرائيل؛ بالإضافة إلى المظلة الرقمية التي تغطي عملياتهم الجوية والتي لا تمتلكها حتى روسيا، بثلاثية “الطائرة – التحكم الأرضي – والقمر الصناعى” وهذه تمثل نقلة في إدارة المعركة لا قبل لأي من دول الشرق الأوسط بمنافستها إلا إسرائيل.. بالنسبة للأتراك .. الموضوع الليبـي صار مشروعا وطنيا مجمع عليه له مبرراته الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية كما يستند إلى تاريخ مشترك يمكن استدعاء وقائعه في كل وقت وهو أيضا يأتي في سياق” العثمانية الجديدة” التي تعني حسب تعريف وزارة الخارجية الأمريكية “الانخراط الاقتصادي والسياسي مع الشعوب ذات التاريخ المشترك مع تركيا إبّان العصر العثماني “و الليبيـون هم أحد تلك الشعوب .. لذلك أرى شخصيا.. أن الأمور ستسير في اتجاه واحد وأن حكومة الوفاق مع حليفها التركي وبدعم أمريكي مباشر ستمد نفوذها على كامل الخارطة الليبيـة، وأن التمرد وما أحاطته من إشكالات سياسية ما زالت تصنع بعض الضوضاء سيختفي تماما ويصبح تاريخا.. لذلك نحن أمام مرحلة جديدة بتحديات جديدة.. تتمثل في ضرورة أن نتوازن مع الحليف التركي بقدر الإمكان، الأمر الذي سيواجه طاقة النفاق العالية لدى كثير من الليبييـن الذين سنراهم يحاولون إيجاد موقع لهم في المشهد الجديد عن طريق التزلف .. “فكما شاهدنا.. من كان يهز مؤخرته أمام القذافي يفعل نفس الشيء أمام حفتر ثم السيسي سنراه يهزها قريبا أمام أردوغان”.. لذلك على الإنتلجنسيا .. ومن موقع موضوعي أن تعمل على إنجاح عملية استعادة الاستقرار و أيضا إقحام الرؤية الليبيـة للمستقبل في الموضوع .. “وهذا تحدّ لابد من التعامل معه بجدية بدلا من المزايدات المستحيلة والارتكان إلى حليف ضعيف مأزوم”.