تبون: كنا على استعداد للتدخل بصفة أو بأخرى لمنع سقوط طرابلس
في اليوم العالمي لحقوق الإنسان؛ لا تزال ليبيـا تمرّ بمرحلة حرجة؛ تشهد انتهاكات خطيرة ومستمرة لحقوق الإنسان؛ وانتشار ظاهرة الإفلات من العقاب في مختلف أنحاء البلاد؛ ما يعيق قدرة الليبييـن على الانتقال إلى السّلام وسيادة القانون؛ بحسب ما جاء في الاستنتاجات الأخيرة لمجموعة من خبراء حقوق الإنسان.
مدينة ترهونة؛ نموذج قاسٍ على فشل تحقيق العدالة فيها؛ حيث قام 7 أشقاء من عائلة الكاني ورجالهم المسلحون باحتجاز وتعذيب وقتل المئات من سكان المدينة؛ في مسلسل رعب استمر لمدة 5 سنوات.
مأساة ترهونة تتعاظم؛ وحقوق أهالي الضّحايا أُهدرت.
بعد عاميْن من فرار عصابات “الكاني” من ترهونة؛ لا تزال مأساة المدينة تتعاظم يوما بعد يوم؛ فالسّعيد هو مَن وجد الجثة التي كان يبحث عنها ليحملها معتصرًا ألمَه في قلبه؛ ومنهيًا بحزنه رحلة البحث والقلق؛ كما هو الحال مع والدة “إبراهيم السويسي أبو خشيم” أحد ضحايا المقابر الجماعية.
حكاية عائلة “أبو خشيم” هي واحدة من آلاف الحكايات التي ترويها عائلات ليبيـة في ترهونة؛ فقدت ذويها منذ بدايات العَقد الماضي؛ فبعض العائلات فقدت أكثر من 6 أفراد ولا تعرف مصيرهم، بينما قال آخرون إنهم علموا بمصير أقاربهم من السّجناء السابقين أو شهود العيان.
وفي ليلة سوداء كما وصفها “رمضان الرّيشي” عضو رابطة ضحايا ترهونة في حديثه مع منصّة “ليبيـا بانوراما”؛ تمّ تنفيذ أكبر عملية تصفية جسدية؛ على أيدي مليشيا “الكاني”؛ داخل سجن “القضائية” التابع لوزارة العدل؛ انتقامًا من مقتل زعيمهم “محسن الكاني” إبّان حرب 2019 م.
سجن “القضائية” الذي شهد جدرانه على هذه الجريمة يقول “الرّيشي”؛ تمّت صيانته في ظروفٍ غامضة؛ أخفت وراءها ملامح أكبر مسارح الإجرام في ترهونة؛ وأضاعت بحق مئات العائلات من ضحايا المدينة.
حقّنا وحق ذوينا؛ ذهب مع أدراج الرّياح”؛ جملة اختصرها لنا (ع.س.أ) في لقاء أجرته منصّة “ليبيـا بانوراما” معه في اليوم العالمي لحقوق الإنسان؛ حيث قال في معرض حديثه: ” تمّ خطف اثنيْن من إخوتي؛ أحدهما تمّ العثور عليه في إحدى المقابر الجماعية وهو أب لطفلة لا يتجاوز عمرها السّنتيْن؛ والآخر لا يزال في عداد المفقودين وهو أب لــ 10 بنات.
وعن حقوق ذويْه وذوي الضّحايا الآخرين؛ يقول (ع.س.أ) : “إن رئاسة الوزراء لم تصدر أيّ قرار يحتسب فيه ضحايا المقابر الجماعية شهداء؛ بل تمّ إيقاف رواتبهم وإحالتهم على الضّمان الاجتماعي.
السّلطات الليبيـة عاجزة عن تحقيق العدالة.
يعتبر أهالي الضّحايا أن الأمل ضعيف في تحقيق العدالة لسّكان مدينة ترهونة؛ ففي الرّابع من أبريل من العام الماضي؛ أصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية “عبد الحميد الدبيبة” تعليماته بتشكيل لجنة وزارية برئاسة وزير الداخلية؛ الذي تعهّد حينها بملاحقة مرتكبي جرائم المقابر الجماعية، والجرائم الجنائية في الداخل والخارج الصّادرة في حقهم أوامر قبض من النائب العام.
لم تحقق اللجنة الوزارية أيّ تقدّم في المهام التي أُوكلت لها لأهالي ضحايا ترهونة؛ ويعتبر رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيـا “أحمد حمزة” في حديثه مع منصّة “ليبيـا بانوراما” الدّور الحكومي في تحقيق العدالة ضعيف ولا يكاد يذكر؛ ولم يخرج بعد عن قالب التصريحات الإعلامية؛ مضيفا : ” بالرّغم من مجهودات النائب العام من أجل إلقاء القبض على المسؤولين عن هذه الجرائم وإخضاعهم لإجراءاته القضائية؛ إلا أنه لا يمكن التعويل على الحكومات بصفتها التنفيذية في تحقيق العدالة مع استمرار الانقسام السياسي الحاصل؛ وتمكين منتهكي حقوق الإنسان في المناصب السيادية”.
ويضيف رئيس منظمة ضحايا لحقوق الإنسان “ناصر الهواري” لـــ “بانوراما”: ” أن الانقسام السياسي وعدم وجود إرادة سياسية للخروج من الصّراع الحالي؛ هما العاملان الرّئيسيان في عدم تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا؛ كما في حالة روندا”.
“الجنائية الدولية” تعيد الأمل في العدالة المنشودة.
قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها؛ إن زيارة مدّعي عام “المحكمة الجنائية الدولية” البريطاني كريم خان إلى ليبيـا أعادت الأمل بتحقيق العدالة التي طال انتظارها لضحايا مليشيا الكاني التي سيطرت على ترهونة خلال معركة السيطرة على العاصمة طرابلس عاميْ 2019 – 2020.
وقالت مديرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش حنان صلاح: “إن كانت السلطات الليبيـة عاجزة عن إجراء مساءلة محلية عن الفظائع ضدّ أهالي ترهونة، فينبغي للمدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن يحقّق في الجرائم التي تدخل باختصاص المحكمة؛ لافتة إلى أن للمحكمة الجنائية الدولية ولاية قضائية على جرائم الحرب، والجرائم ضدّ الإنسانية، والإبادة الجماعية المرتكبة في ليبيـا منذ 15 فبراير 2011.
أهالي الضّحايا ينتظرون العدالة قبل المصالحة.
ومع تطوّر الوضع السياسي في البلاد والبحث عن توافقات بين الأطراف السياسية المتصارعة؛ يخشى سكان ترهونة أن تؤدّي التوافقات المطلوبة إلى التغاضي عن جرائم الماضي أو حتى تصعيد مَن ارتكبوها أو أمروا بتنفيذها.
تخوّفات زادت وتيرتها؛ بعد عدّة لقاءات قام بها النائب بالمجلس الرئاسي “عبد الله اللافي” بمختلف مكوّنات البلاد؛ بهدف تحقيق المصالحة الوطنية دون التطرّق لآلية تحقيق العدالة في مدينة مثل ترهونة.
تقول كلثوم الحبشي، مديرة مدرسة التمريض المتقاعدة في لقاء مع منظمة حقوقية: “لن نتجاوز الأمر إلا عندما نحقق العدالة ويدفعون ثمن جرائمهم، وحتى ذلك الحين لن يكون هناك أيّ تصالح، عندما تطلب منّي أن أحقق السّلام، فكيف أحققه مع مَن تلوّثت يداه بالدّماء؟ كيف أصافحه ؟.”
فاستمرار عمليات انتشال الجثث من المقابر الجماعية في ترهونة تعكس بجلاء الثّمن الباهظ للصّراع المستمرّ منذ 10 سنوات والمخاطر الكبيرة التي تكتنف خطة المصالحة الهشّة التي توارى فيها الضّحايا وظلوا على الهامش.