تبون: كنا على استعداد للتدخل بصفة أو بأخرى لمنع سقوط طرابلس
تزامناً مع ما تشهده ليبيـا من صراع سياسي حاد وسط حالة من الانقسام السياسي بين الأطراف، بدأت البلاد مؤخراً تشهد صراعاً امتد إلى منصب وزير النفط والغاز بحكومة الوحدة الوطنية.
فبعد رفع الوقف الاحتياطي عن الوزير محمد عون من قبل هيئة الرقابة الإدارية الذي دام لشهرين لداعي التحقيق، خاطبت حكومة الوحدة الوطنية أمين عام منظمة الدول المصدّرة للنفط “أوبك” بأن خليفة عبد الصادق هو وزير النفط المكلف بدلاً من عون.
ورغم تمسك الدبيبة باستمرار خليفة رجب عبد الصادق على رأس وزارة النفط إلا أنه لم يصدر حتى اللحظة قرار بإقالة عون من منصبه، ما يُثير تساؤلات حول وجود وزيرَيْن يعملان في نفس الوقت، وما إذا كان الدبيبة لا يريد الإطاحة بالوزير عون في الوقت الحالي حتى يعرقل الصفقة التي يقترب قطاع النفط والغاز الليبـي من توقيعها خلال الأيام المقبلة.
حيث من المقرر أن تمضي المؤسسة الوطنية النفط قدماً في مشروع للنفط والغاز بقيمة تتراوح بين 4 و5 مليارات دولار، اقترحته شركة “إيني” الإيطالية بعد أشهر من تعليق المشروع بسبب معارضة محلية واسعة النطاق له.
ففي شهر مارس الماضي، مهّد المجلس الأعلى لشؤون الطاقة في البلاد الطريق لمنح الامتياز “إن سي-07” إلى تحالف يضم 4 شركات، وهي شركة إيني الإيطالية، وتوتال إنرجي الفرنسية، وأدنوك الإماراتية، وشركة الطاقة التركية.
وفيما توقع مراقبون أن تُطلق هذه الخطوة صراعاً إضافياً داخل قطاع النفط، رأوا أن عدم إقالة عون هو إجراء من الدبيبة، استجابة للضغط الأمريكي الذي يستهدف الاستثمارات الغربية وعلى رأسها الإيطالية في ليبيـا، خصوصاً وأن إيطاليا تسعى جاهدة لأن تصبح أكبر مزود للغاز إلى أوروبا، بعد انقطاع الغاز الروسي الرخيص بسبب العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا، فاستثمارات الطاقة الإيطالية في ليبيـا بحسب المراقبين تشكل خطراً على أرباح شركات الطاقة الأمريكية التي تتصدر توريد الغاز المسال إلى أوروبا.
ولهذا عادت واشنطن مؤخرًا بشكل قوي إلى ليبيـا من بوابة الاستثمارات العلنية والسرية في القطاع النفطي؛ حيث تمكنّت من توقيع اتفاقيات وعقد صفقات العام الماضي مع المؤسسة الوطنية للنفط عبر شركتيْ (هاليبرتون) و(هانيويل إنترناشيونال) الأمريكيتين بقيمة 1.4 مليار دولار لتطوير حقل نفطي ومصفاة تكرير.
كما أعلن رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في البلاد فرحات بن قدارة العام الماضي عن الاتفاق مع شركة الاستشارات الأميركية “كيرني” لتطوير الخطة الاستراتيجية لقطاع النفط والغاز في ليبيـا.
وناقش وزيرا المالية “خالد المبروك” والنفط والغاز المكلف “خليفة عبد الصادق” في أبريل الماضي مع نائب وزير الخارجية الأمريكي لشؤون موارد الطاقة “جيفري بايات” سبل تعزيز التعاون المشترك في قطاع النفط والغاز، وأهمية جذب الشركات النفطية الأمريكية للاستثمار في إنتاج النفط والغاز والصناعات البترولية في ليبيـا.
فيما نقلت مصادر مقربة من حكومة الدبيبة، بأن هذه الاجتماعات ركزت على التوصل إلى اتفاق بشأن عملية نقل أصول المؤسسة الوطنية للنفط إلى سيطرة عدة شركات أمريكية للنفط والغاز.
وبحسب المحلل الاقتصادي توفيق البارودي، فإن رغبة واشنطن الجامحة لتحجيم النفوذ الذي تحظى به إيطاليا في مجال استثمار النفط والغاز في ليبيـا واضحة؛ حيث أكد أنها تضع مصلحتها في المقام الأول، وأن مصلحتها في المرحلة الراهنة تقتضي بسط نفوذها للتحكم بقطاع الطاقة الليبـي لتحجيم الدور الإيطالي الذي يهدف إلى تأمين بدائل مستدامة و”رخيصة” للنفط والغاز إلى أوروبا.
يُشار إلى أنه سبق وأن تسربت إلى وسائل الإعلام المحلية وثائق كشفت عن مخالفات وشبهات فساد تحيط بمفاوضات امتياز الغاز في حوض غدامس الغربي، مشيرة وجود تحايل على إجراءات المناقصة المفتوحة لنقل هذه الحقول إلى شركة “إيني” الإيطالية ومخالفات خطيرة من قبل المؤسسة الوطنية للنفط.
كما شهدت الساحة الليبيـة خلال الأشهر الماضية مشادات كلامية بين عون وبن قدارة بشأن تعاقدات نفطية، ما دفع أعضاء بالمجلس الأعلى للدولة إلى دعوة النائب العام والأجهزة الرقابية للتحقيق بشكل فوري فيما أسموه “شبهات فساد”، تتعلق بعقود نفطية أُبرمت خلال السنوات الماضية.
محمد الصادق – باحث في المركز الأوروبي لدراسات الشرق الأوسط