تبون: كنا على استعداد للتدخل بصفة أو بأخرى لمنع سقوط طرابلس
حتى لا تكون فتنة ويعمم الفساد .
للأسف الشديد، أصبح الطعن في ذمم الناس وأعراضهم والتشكيك في وطنيتهم وتخوينهم دون دليل ظاهرة متفشية في مجتمعنا، فنجد ذلك يعمم على الجميع دون مراعاة لما يترتب عنه من أضرار تتجاوز المستوى الشخصي إلى خطر كبير على المستوى الاجتماعي، تضرب فيه القيم وتغيب القدوة وتنعدم الثقة بين الناس، فلا رجل أعمال نظيف ولا سياسي وطني مخلص ولا مسؤول نزيه ولا عالم أو مثقف موضوعي ولا إعلامي إلا ومأجور، ولا حزب أو مؤسسة أو جهة إلا يلحقها وصف من هذه الأوصاف.
تعميم تقوده دوافع متعددة بعضها شخصية وأخرى من مجرد الخصومة السياسية، فيروج له ويفرح به أصحاب النفوس المريضة والمتورطون في الفساد، ويبررون به ما هم عليه من فساد وعجز وسلبية وفشل وانحراف وتفريط في مصالح الوطن وتغليب لمصالحهم الشخصية ونزواتهم.
وكوني إحدى الشخصيات العامة التي خاضت غمار العمل السياسي، فقد نالني من ذلك التعميم الكثير، بين طعن في الذمة المالية واتهام بالانتفاع الشخصي غير المشروع من جهة، وبين اتهامات في الفكر إما بالتطرف أو التفريط، وبين تشكيك في الوطنية والتخوين، وغيرها من الشائعات التي وصلت في الكذب والتظليل حد الإسفاف، والتي لم أهتم كثيرا بالرد عليها ولطالما قابلتها بالاستغراب والسخرية والتجاهل، إلا أن الأمر أصبح ظاهرة لها آثارها المدمرة على المجتمع، ولعلي أُسهم بحديثي هذا ولو بشكل بسيط في التصدي لها ومواجهة من يريد تعميم الفساد والتشكيك والطعن في كل الأشخاص والمؤسسات.
وما أكن لأكتب عن نفسي هنا – خاصة في جوانب قد يعتبرها كثيرون غاية في الإحراج ويفسرها آخرون مدحا للذات – إلا لأن كثيرا من الناس الخيرين نُخبا وعامة أصبحوا يصدقون ما يقال، ويفقدون الثقة في الجميع، فوددت أن أتناول باختصار بعض الحقائق التي يدركها كل من يعرفني، رغم محاولات التشويه المتعددة، لتكون مثالا يوضح أن جزء كبيرا مما يثار حول الشخصيات العامة في بلادنا ليس بالضرورة أن يكون صحيحا، بل ربما يكون محض افتراءات بعيدة كل البعد عن الواقع.
بالنسبة لإقامتي فقد ولدت في ليبيا، ودرست فيها وعشت وعائلتي بها طوال حياتي ولم أغادرها، حتى سنوات السجن الثمان قضيتها خلف قضبان سجون أبوسليم، ومع ذلك يقال كذبا أنني رجعت إلى البلاد بعد ثورة فبراير، وطبعا لا عيب في ذلك إذا كان الكلام صحيحا، لكنه ليس كذلك، علاوة على ادعاء البعض بأنني وعائلتي أقيم خارج ليبيا متنعما ولا أشعر بما يعانيه المواطن من ظنك العيش.
أما في الجانب الفكري، والذي تعرضت فيه لاتهامات كثيرة من أطراف متضادة، فإني أعتز بانتمائي الفكري واختياراتي السياسية، ولكني في ذات الوقت أكره الجمود وأؤمن بالتجديد والتطوير والمراجعات بدلا من التحولات الجذرية، في إطار فكر وسطي معتدل ؛ وأؤمن بالدولة الحديثة التي تبنى على أسس المواطنة وتحترم التنوع الثقافي والتعددية السياسية والفكرية، والقبول بالآخر في تنوعه وتباينه دون إقصاء أو إبعاد أو تهميش، وأسعى لأن تكون ليبيا دولة مدنية ديمقراطية بعيدا عن شبح العسكر وحكم الفرد والاستبداد.
أما عن الجانب المادي، فوالدي رحمه الله كان متوسط الحال، بنى لي منزلا في ثمانينات القرن الماضي لا زلت أسكنه وأسرتي، وقد تخرجت من جامعة قاريونس فرع البيضاء بتخصص علم الاجتماع عام 1982، وعملت معلما لخمسة أعوام، وفي عام 1986 عملت في شركة الاستثمار الفندقي حتى عام 1998، وتحصلت في العام نفسه على دبلوم عالي في علم الاجتماع ولم أكمل الماجستير بسبب السجن، وحكمت عليَّ محكمة الشعب بالسجن المؤبد وخرجت بعفو عام 2006 .
عملت بعد الخروج من السجن مديرا عاما لغرفة التجارة والصناعة مصراتة حتى انطلاق ثورة فبراير، وشاركت في الثورة كمن شارك وقمت بالدعوة لتأسيس ائتلاف ثورة 17 فبراير بمصراتة والذي كان من أكبر مؤسسات المجتمع المدني بالمدينة زمن الثورة وكانت له إسهامات واسعة.
بعد التحرير وانطلاق العملية السياسية، تم انتخابي رئيسا لحزب العدالة والبناء في المؤتمر التأسيسي للحزب عام 2012 بطرابلس، والذي حضره قرابة 1500 عضو مؤسس من كل مدن ليبيا، وسلمت ما بعهدتي لإدارة غرفة التجارة والصناعة، ولا أتقاضى أي مرتب من الدولة منذ ذلك الحين.
مارسنا في الحزب العملية السياسية بكل تفاصيلها ومراحلها وعواصفها وأزماتها، اجتهدنا وأصبنا واجتهدنا وأخطأنا، وأشهد الله أنه ما كان يحركنا ويوجه سلوكنا ومواقفنا السياسية ويشغلنا إلا المصلحة العامة لليبيا وإنجاح أهداف ثورة 17 فبراير، ورفع الظلم ومكافحة الفساد والحفاظ على المسار الديموقراطي، وبناء الدولة المدنية التي ضحى من أجلها الليبيون على مذابح الحرية.
وبالعودة إلى الجانب المادي وما يثار حوله، فإني أتقاضى راتبا من الحزب وفقا للوائح التي تنظم عمله، مع بعض الامتيازات المقررة لرئيس الحزب مثل التنقل والإقامة في مهمات العمل والسيارة وأفراد الحماية.
كما أن أبنائي لا يتقاضون مرتبات من الدولة، بل يعمل كلٌ منهما في القطاع الخاص، ولم يدرس أي منهما على حساب الدولة، عكس ما يسوق البعض، ولم أسع إطلاقا للحصول على أي اعتماد مصرفي لا بطريقة مباشرة ولا غير مباشرة، وأسعى وأولادي للكسب المشروع الذي لا ضير فيها شرعا وقانونا، وقد عشت حياتي ولله الحمد ميسور الحال، بالاستعانة بما تركه لي والدي رحمه الله.
هذا كان توضيحا سريعا لبعض الشائعات التي تناولت شخصي خلال السنوات الماضية، والتي لا يسع المقام لتفصيلها، وإنما الغرض تبيان خطورة تلك الظاهرة التي نالت شرورها الجميع بالتشكيك والتخوين، حتى أصبح الملاحظ في وسائل التواصل الاجتماعي التعليق على الأحداث المختلفة بذم قبيلة أو مدينة أو شريحة اجتماعية أو مهنية أو سياسية بأكملها نتيجة سلوك مشين لبعض أفرادها مهما بلغت أعدادهم.
وباعتباري شخصية سياسية، تقبلت وأتقبل أي نقد مبني على الحقائق، خفيفا كان أم شديد، ويدرك الجميع كم وجهت لنا من انتقادات وكم شنت علينا من حملات إعلامية أغلبها تلفيق وبهتان، ومع ذلك نقدر بشكل كبير ونتفهم الإخفاقات التي مرت وتمر بها البلاد بعد فبراير والمنطقة بأسرها، والتي جعلت كل متصدر للعمل السياسي محل نقد شديد
وختاما أعيد التأكيد بأنني ما كتبت إلا إنتصارا لما تبقى من قيم ودفاعا عن شريحة واسعة جدا في مجتمعنا ولمواجهة من يحبون أن يشيع الفساد .
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
محمد صوان