المركز الأوروبي للدراسات: قاعدة “الويغ” الجوية … الخطة الفرنسية لاستعادة النفوذ بأفريقيا

لا تزال التدخلات الخارجية بالشؤون الليبية تلقي بظلالها على استقرار البيت الداخلي الليبي، حيث تشكل عائقاً أساسياً أما ضبط الأمن على كامل الأراضي الليبية وإنجاز تفاهم سياسي بين كل القوى والأحزاب في البلاد يفضي إلى تحقيق تنمية اقتصادية واستقرار تام.

وعلى الرغم من الفشل الكبير الذي منيت به القوى الغربية ودول الناتو بتحقيق أهدافها بعد مقتل معمر القذافي، وترك البلاد تغرق بالفوضى، إلّا أنه مازال هناك بعض القوى والشخصيات السياسية والعسكرية في البلاد المرتهنة للغرب والتي ساعدت بشكل كبير القوى الخارجية على التدخل بالشؤون السياسية والاقتصادية والإدارية للبلاد مما زاد من الفوضى وصعّب الحل السياسي.

محادثات غير معلنة.. فرنسا تفاوض حفتر على قاعدة “الويغ” انتشرت في الأيام القليلة الماضية بعض المعلومات والتقارير الإعلامية التي تتحدث عن محادثات سرية وغير معلنة أجراها وفد فرنسي في مارس الحالي مع القائد العام للقوات المسلحة الليبية المسيطرة على شرق البلاد المشير خليفة حفتر بهدف حصول فرنسا على تمثيل عسكري في ليبيا من خلال التمركز في قاعدة (الويغ) الجوية جنوب ليبيا.

وبحسب المعلومات فإنه وخلال زيارة خليفة حفتر إلى باريس واستقباله من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه في نهاية فبراير الماضي، تم التطرق إلى موضوع قاعدة الويغ العسكرية ورغبة فرنسا بإرسال عسكريين وخبراء فرنسيين إليها لإدارتها بالكامل، حيث تسعى فرنسا لاستعادتها بعد أن اضطرت إلى الانسحاب منها سابقاً.

وقبل نحو سنتين وتحديدا في سبتمبر 2022 تحدثت وسائل إعلام محلية عن وصول مجموعة من العسكريين الفرنسيين إلى قاعدة الويغ العسكرية بهدف معاينتها وإعادة تأهيلها وإدخالها إلى الخدمة مجددًا، وهو ما يبدو أنه لم يتم حينها لأسباب سياسية.

استعادة النفوذ المفقود.. ماهي الأهداف الفرنسية؟

ينظر محللون إلى أن زيارة حفتر إلى باريس وسعي الأخيرة للحصول على موطئ قدم جنوب ليبيا يعكس رغبة فرنسية في تثبيت وجودها في جنوب وشرق ليبيا وسرت الواقعة تحت سيطرة حفتر، والتي تعتبر نقطة وصل حيوية على البحر المتوسط،وكبوابة مهمة لإدارة وحماية مصالح باريس الأمنية والاقتصادية.

وبحسب الباحث والخبير في الشؤون الليبية محمد الفاسي فإن التحركات الفرنسية الأخيرة والمشاورات بخصوص قاعدة “الويغ” الجوية يأتي في سياق التغيرات الجيوسياسية الجارية في أفريقيا وعدّة مناطق حول العالم.

ووفقاً للخبير، فإن فرنسا وبعد خسارتها لنفوذها في عدّة دول أفريقية، مثل مالي، النيجر، تشاد، وبوركينا فاسو، فإنها بحاجة لموطئ قدم لها في منطقة استراتيجية قريبة من تلك الدول مثل جنوبي ليبيا (وبشكل خاص قاعدة الويغ الجوية) حتى تستطيع إدارة عملياتها وخططها لاستعادة نفوذها في تلك الدول انطلاقا من الجنوب الليبي.

وبحسب الفاسي، فإن فرنسا تدعم بشكل غير معلن جماعات متطرفة وانفصاليين متمردين في عدد من الدول المذكورة عبر إثارة الفوضى في تلك البلدان، لتتدخل بها لاحقاً عسكريا بحجة مكافحة الإرهاب وتستعيد نفوذها. ففي شمال مالي تقدم فرنسا الدعم لـ”جماعة نصرة الاسلام والمسلمين” التابعة لتنظيم القاعدة وحركة الازواد اللتان شنتا كثير من الهجمات الإرهابية ضد أهداف مدنية وعسكرية تابعة للجيش المالي، كما أن فرنسا تدعم جماعة “بوكو حرام” المصنفة إرهابية والتي تنشط في النيجر وتشاد ضد المدنيين والقوات الحكومية، بالإضافة لدعم فرنسا لقوات “الدعم السريع” في السودان عسكرياً وسياسياً عبر الإمارات وتشاد، والتي ارتكبت عدة انتهاكات ضد الإنسانية حسب منظمات أممية.

ووفقاً للفاسي فإنه يوجد مئات التقارير والمعلومات نقلاً من مصادر محلية وعسكرية واستخباراتية تثبت الدعم الفرنسي لتلك الجماعات المحظورة، وهو ما يدل بشكل واضح إلى أهمية ملف قاعدة “الويغ” الليبية بالنسبة لفرنسا وسعيها الحثيث للحصول عليها، لاستخدامها بتدريب المتمردين وتقديم الدعم العسكري واللوجستي والاستخباري لهم، واطلاقهم لاحقاً في دول الساحل ووسط أفريقيا.

ويعاني الجنوب الليبي من تحديات أمنية كبيرة تؤثر بشكل مباشر على استقرار البلاد والمنطقة بأسرها. وتعد هذه المنطقة في ليبيا نقطة مهمة للجماعات المسلحة الأفريقية والجهادية التي تنشط في منطقة الساحل والصحراء. ومعروف أن جهة الجنوب، وخاصة منها المناطق غير المأهولة، تحولت منذ سنوات إلى معاقل لتنظيمي “القاعدة و”داعش”.

لا ثقة بالعهود الفرنسية
وقدّم الفاسي في ختام تعليقه حول ملف قاعدة “الويغ” الجوية الليبية، نصيحة لخليفة حفتر بعدم الوثوق بالوعود والضمانات الفرنسية، مؤكداً على ضرورة أخذ العبر من التاريخ القريب، وليس البعيد حتى.

حيث أشار الفاسي، إلى أن الفرنسيين وبعد سنوات من الاتفاقيات والمعاهدات والعلاقات مع معمر القذافي، خرجت طائرات الناتو وعلى رأسهم سلاح الجو الفرنسي واستهدفوا موكبه وقضوا عليه لأنهم أيقنوا بأن القذافي لن يحق مصالحهم.

وفي نهاية المطاف، قتل القذافي بالطريقة الموثقة بكاميرات الهواتف النقالة في 20 أكتوبر 2011، فيما دخلت ليبيا في فوضى عارمة وانقسام لا تزال تحاول الخروج منه حتى الآن.

فيما أحلام فرنسا في ليبيا لم تتحقق رغم تدخلها العسكري وحماستها الشديدة للإطاحة بالقذافي، وسط سعي حثيث منها حتى اللحظة لتحقيق أهدافها ولو على حساب مصالح الشعب الليبي.

المركز الأوروبي لدراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

Read Previous

باريس تبحث عن موطئ قدم في القارة السمراء عبر قاعدة الويغ بليبيا