الصراع السياسي في ليبيا وتأثيره على إنتاج النفط

مع تواصل مشهد الانقسام السياسي في ليبيا يستمر الصراع بين الأطراف السياسية على مفاصل السلطة والمال في البلاد بما يعقّد الوضع أكثر ويضر بعمل المؤسسة الوطنية للنفط .

فبعد أزمة إدارة المصرف المركزي التي أحدثت ضجة كبيرة وسببت بوقف إنتاج النفط، والتي تمكن الليبيون من حلها مؤخراً بفعل وساطات دولية وإقليمية وبعض التنازلات التي قُدمت على المستوى المحلي، يعود الحديث عن رغبة محور الغرب الليبي عن طريق رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس عبد الحميد الدبيبة لإقالة رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة.

فقد راجت في الساعات الماضية أنباء على مواقع التواصل الاجتماعي بأن بن قدارة قدم استقالته إلى الدبيبة رغم عدم وجود تأكيد رسمي حتى اللحظة.

فيما أفادت وكالة “نوفا” الإيطالية بأنها تواصلت مع المتحدث الرسمي لوزارة النفط والغاز أحمد جمعة، الذي قال إنه ليس على علم بأي خطاب استقالة قدمه بن قدارة.

ونقلت الوكالة في تقرير لها عن مصادر أخرى قولها إن الاستقالة كانت ستقدم بالفعل لأسباب صحية كان بن قدارة يعاني منها منذ فترة.

بن قدارة المقرب من قائد قوات الكرامة خليفة حفتر ، سبق وأن كان الحل الأمثل لكل من حفتر والدبيبة عام 2022 لضمان استئناف إنتاج النفط في الحقول والمواني نفطية شرقي البلاد، والذي قطعته القبائل الليبية احتجاجاً على استمرار رئاسة الدبيبة للحكومة في طرابلس وعدم تسليمه السلطة إلى الحكومة الجديدة المعينة من قبل مجلس النواب.

وتم تعيين بن قدارة من قبل الدبيبة خلفاً لمصطفى صنع الله الذي تقلد هذا المنصب منذ عام 2014، ودخل طيلة السنوات الماضية في خلافات كبيرة مع الحكومات المتعاقبة، الى أن طالب وزير النفط محمد عون بإقالته، متهماً إياه بحجب بيانات الإيرادات والإنتاج عن الوزارة وبإصدار أوامر إلى الشركات بعدم الاعتداد بمراسلات وزارة النفط التي تتبع إليها المؤسسة قانوناً.

وسبق وأن ذكر موقع “أفريكا إنتلجنس” الفرنسي، أن رئيس مؤسسة النفط فرحات بن قدارة، قام بتعيين رجال موالين لخليفة حفتر، في رئاسة الشركات التابعة للمؤسسة والمناصب العليا بها.

وعلى سبيل المثال، أعاد بن قدارة تشكيل مجلس إدارة شركة البريقة لتسويق النفط واستبدل رئيسه السابق إبراهيم بوبريدعة بفؤاد بالرحيم، كما عيّن بن قدارة مدير العمليات والموارد البشرية بالشركة فرج الجعيدي رئيساً للشؤون المالية للشركة.

وبحسب الموقع الفرنسي فإن كِلا الرجلين مقربان من صدام نجل خليفة حفتر.

وبالتالي، فإن التكهنات بإقالة بن قدارة من قبل الدبيبة قد تكون أقرب الى الحقيقة، خصوصاً وأن بن قدارة نفسه سبق وأن أفاد لوسائل إعلام محلية بأن الدبيبة غير راضٍ عن التعديلات التي أجراها بن قدارة، وهو ما أثار الخلاف بين الرجلين وجعل الأخير يصرح بأن الدبيبة لا يريد رؤية مسؤولين غير موالين له في المناصب المالية في البلاد حتى وإن كانوا وطنيين.

وعلقت وكالة “أويل برايس” الأمريكية على هذا الموضوع في مقالٍ لها نشرته منذ يومين، قائلة بأن الإشاعة قوية حول استقالة رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، وأوضحت بأن أزمة المصرف المركزي “الدرامية” منذ أسابيع قد بدأت بهذا الشكل أيضًا.

وأضافت بأن معركة “القبائل” قابلة للاستمرار، طالما أن هناك اختلالا للتوازن بين أكبر قوتين مسيطرتين على النفط والمال في البلاد.

كما حذرت بأنه نتيجة لذلك فإن قطاع النفط في ليبيا سيكون من أول الضحايا، في إشارة الى إغلاق الإنتاج النفطي المتكرر عند حدوث أية أزمة.

ووفق تحليل الخبراء بالشأن الليبي، فإن الفجوة الواسعة لتوزيع إيرادات النفط بين الشرق والغرب الليبي، وضعت الأطراف السياسية في مشكلات من الصعب تجاوزها، وهو ما يدفع بهم لاستخدام ورقة النفط.

ولا يعني تجدد أزمة المناصب في الداخل الليبي سوى أن تتضرر أسواق النفط العالمية، لأن النفط الليبي الذي يتدفق بمعدل 1.2 مليون برميل يومياً يذهب الكثير منه إلى العملاء الأوروبيين الذين يبحثون عن بديل للنفط الخام الروسي المفقود جراء الأزمة الأوكرانية والحصار الاقتصادي الذي فرضه الغرب على روسيا.

ليرتبط هذا بالتسابق بين الدول الأوروبية للاستحواذ على عقود في سوق الطاقة الليبية، والغرب اليوم لا يهتم بمَن سيتولى منصب رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط طالما أن النفط يتدفق إلى السوق الأوروبية،

إلا أن مركز دراسات أمن الطاقة في لندن حذر من مخاطر إطلاق يد الدبيبة في البلاد من قبل الغرب على حساب محور الشرق الليبي التابع لحفتر، لأن هناك خلافات جدية حول توزيع الإيرادات في ميزانية عام 2025، والتي تطالب فيها حكومة أسامة حماد الموالية لحفتر بمبلغ 25 مليار دولار لتغطية النفقات.

وبالتالي سيترتب على حفتر استخدام ورقة النفط وإغلاقه من جديد ضاغطاً بها لتلبية مطالبه أو لإعادة بن قدارة الموالي له الى منصبه.

كما أوضح المركز أن الغرب لابد له من محاورة جميع الأطراف السياسية في ليبيا وخلق التوازن فيما بينها ليستبعد استخدام النفط في الصراع السياسي، وبالتالي ليضمن مصالحه في البلاد.

يُشار الى أن صادرات النفط الليبي تعافت بعد استئناف ضخ الخام مطلع الشهر، لتتفوق على مستويات ما قبل أزمة المصرف المركزي إلى 1.3 مليون برميل يوميًا.

ومن المتوقع أن ترتفع الصادرات خلال الشهر الجاري إلى أكثر من 600 ألف برميل يوميًا، في حال لم تحدث أزمة أخرى في البلاد.

وسبق أن انخفضت الصادرات في سبتمبر/أيلول إلى نحو 550 ألف برميل يوميًا، وهو أدنى مستوى في 4 سنوات، ويعادل نصف متوسط الصادرات خلال يوليو/تموز وأغسطس/آب، وفق وكالة رويترز.

كما قادت ليبيا تراجع إنتاج دول تحالف أوبك+ خلال الشهر التاسع، إذ انخفض إنتاج النفط الخام بمقدار 410 آلاف برميل يوميًا خلال إلى 540 ألف برميل يوميًا، نتيجة لأزمة إغلاق الحقول والمواني النفطية.
اكتب إلى النشر النهائي لمنصة بانوراما

Read Previous

وفد من حكومة الوحدة يبحث مع الإدارة الأمريكية سبل تطوير الشراكة التجارية

Read Next

جمعية الدعوة الإسلامية ترفض تدخل الحكومة في شؤونها