تبون: كنا على استعداد للتدخل بصفة أو بأخرى لمنع سقوط طرابلس
في السياسة قد يكون التعبير عن القناعات مجردة مجازفة؛ لذا فإن السياسي عادة ما يبحث عن صيغة للتصريح السياسي يمزج فيها بين قناعاته المنبثقة من مبادئه وقيمه وبين ما يوافق المزاج العام للمجتمع وإن كان ناتجا عن ممارسة طويلة للتضليل والتزييف.
وإذا كان التعبير عن القناعات مجردة تعتبر مجازفة؛ فإن التعبير عما وافق هوى الناس ومزاجهم مجردا فهو مجازفة كبرى؛ ذلك أن طبيعة المزاج العام متقلبة تتقاذفها رياح أساليب تشكيل الرأي العام، وأن تركيبته متحركة متحولة لا تعرف الثبات فهي تتشكل وفق الإرادة التي تتحكم في الأمزجة والأهواء.
الواجهة السياسية عادة ما يقع بين مطرقة القاعدة الشعبية التي يمثلها وسندان الخصوم المتربصين لتصريحاته، فهو يحاول قدر الإمكان أن يرضي القاعدة في التعبير عن قناعاتها المنبثقة عن قيمها ومبادئها، وفي الوقت نفسه يحاول جاهدا ألا يقع في مصيدة المتربصين الذين يتصيدون العثرات والهفوات أو ما يشبهها فتعمل ماكينة الخصوم الإعلامية على تأويلها ويغرقون المجتمع بهذه الهفوات.
القاعدة الشعبية تتفاوت في القدرات والإمكانيات الفكرية فمنها ما هو على دراية بأصول اللعبة السياسية وقيامها على المصلحة العامة وتحركها بحرية في المنطقة الرمادية وأنها قائمة على دفع الضرر الأكبر بضرر أقل منه وأن السياسة هي حرب خالية من البارود لذا فإن الخداع شيء أساسي في الحرب، وأنها ـ أي السياسة ـ لا تعامل فيها مع الخصم المتربص بك بالفضائل والمُثُل فالسياسي ينبغي ألا يكون خبا ولا الخب يخدعه، ومن القاعدة الشعبية نفسها ما هو مفتقد لهذه السياسة والتأصيل لتعاملاتها والدراية بطبيعتها؛ لذا فهو تقوده العاطفة في كل شيء ويقيم في السياسة على أساس الحق والباطل.
هذا التفاوت يضع على القيادة السياسية عبئا أكبر في محاولة إيجاد صيغة توافقية يرضي بها جناحي القاعدة التي قد تتفلت في حال عدم التعبير عن قناعاتها أو ظنها أن ما عبر عنه لا يمثل ما تؤمن به، ففي حال عبرت القيادة السياسية وتجاوزت المبادئ من أجل المصلحة العامة اعتبرها جناح العاطفة خذلانا وتفريطا في المُثُل، ومجاملة للخصوم على حساب المبادئ المتناقضة مع مبادئهم وتجنيا على الحقائق وتزييفا لها، وفي حال التعبير عن المبادئ على حساب المصلحة العامة اعتبرها جناح العقل خطأ سياسيا أو كارثة سياسية قد تؤدي إذا تكررت إلى الانتحار السياسي.
غير أن حوادث أو ظواهر قد تطرأ فلا تحتمل التصريح المبهم المشوب بالغموض كما لا تحتمل تصريحا عاما ليس من طبيعته التخصيص، فهي تستلزم من الواجهة السياسية أن يبدي رأيا قاطعا واضحا كي لا يؤول من قبل الخصوم على أن الواجهة السياسية التي تمثل قاعدتها الشعبية شريكة في هذه الظاهرة أو عاملا مساعدا في صنع هذه الحادثة، كل ذلك قد يحدثه غموض في التصريح أو عمومية فيه.
للتجمع السياسي سياسات عامة كما له أيضا سياسات عارضة تتخذ وقت الطوارئ فضلا عن تصريحات قياداته التي تتعلق بهذه الطوارئ، لذلك فإن على قاعدة التجمع السياسي أن تلتزم بهذه السياسات الثابتة والطارئة في تصريحاتها وآرائها وتدويناتها وتغريداتها لأن الرأي العام يستشف السياسات والآراء من خلال القاعدة مثلما يتلقفها من الواجهة السياسية؛ إذ التناقض ليس من مصلحة التجمع السياسي فهو يدل على هوة عميقة بين القيادة والقاعدة كما أن الحكم باعتدال وتطرف هذا التجمع أو ذاك يستبين من تدوينات القاعدة أكثر مما يظهر من تصريحات القادة والواجهات؛ فمن نافلة القول أن عضو القاعدة كونه قد اختار لنفسه أن يكون ضمن تجمع ما فهو سيفقد جزءا من حريته في إبداء رأيه تنازلا عند رأي أغلبية قاعدته التي رأت خلافه.
رب كلمة تصدر عن سياسي أو عامل في حقل السياسة لا يلقي لها بالا يهوي بها في الحضيض السياسي سبعين خريفا أو أكثر من ذلك.
قد يكون المتفوه بالكلمة واجهة سياسية لحزب سياسي أو جماعة سياسية فيهوي بحزبه أو تجمعه تهاويا جماعيا، وقد يكون المتفوه بالكلمة عضوا بارزا أو شخصية معروفة بخلفيتها الفكرية أو الحزبية فيصنع الفعل نفسه.
وقد تكون الكلمة قد تكررت من عدد من أعضاء القاعدة فخالفوا بها سياسة تجمعهم فيلحقون به الضرر.