تطورات تزايد النفوذ الروسي في ليبيا والقارة الأفريقية منذ ديسمبر 2024

يتزايد النفوذ الروسي في ليبيا والقارة الأفريقية بشكل لافت منذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر الماضي، ابتداءً من إرسال شحنات من الأسلحة، مرورًا بتدعيم القواعد العسكرية الليبية بمنظومات عسكرية نوعية، وصولًا إلى تشغيل قاعدة بأكملها، على غرار قاعدة حميميم الجوية في سوريا، الأمر الذي يلقي الضوء على التغييرات الجيوسياسية وحجم النفوذ الروسي في القارة ككل.

أكدت شبكة “سي إن إن” الأميركية أن الأسابيع التي تلت الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا شهدت تسيير روسيا عدة رحلات إلى قاعدة جوية في صحراء ليبيا، وذكرت الشبكة أن تحليلا لبيانات تتبع الرحلات الجوية أظهر أن روسيا سيرت أكثر من رحلة واحدة يوميا منذ منتصف ديسمبر الماضي، عبر طائرات النقل العملاقة أنتونوف -124 وإليوشين-76، انطلاقا من قاعدة حميميم في سوريا إلى الخادم، وهي قاعدة بالقرب من بنغازي في شرق ليبيا.

وتزامنت تلك التحركات مع تأكيدات نقلتها “سي إن إن” عن مسؤولين أميركيين وغربيين، بأن روسيا بدأت في سحب كمية كبيرة من المعدات العسكرية والقوات من سوريا. ورجحت الشبكة أن تكون المعدات المنقولة قد شملت أنظمة دفاع جوي روسية متقدمة مثل (S-300) و(S-400).

وكشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، روسيا درست إمكانية تطوير منشآتها البحرية في طبرق لاستقبال السفن الروسية، تزامن ذلك مع وصول عدة سفن وفرقاطات عسكرية إلى الميناء المذكور بحسب مصادر متطابقة.

كما أظهرت من جهتها شركة “ماكسار” صورًا عبر الأقمار الصناعية لقاعدة الجفرة الجوية في ليبيا، والتي تظهر فيها طائرة من طراز Il-76، التي وبحسب عدة مصادر متطابقة قامت بما لا يقل عن تسع رحلات ذهابًا وإيابًا بين سوريا وليبيا في الفترة بين 1 و20 يناير. وبحسب المصادر حملت هذه الرحلات كمية هائلة من العتاد العسكري النوعي من القواعد العسكرية الروسية في طرطوس وحميميم في سوريا.

ليتصاعد زخم الحديث عن النفوذ الروسي المتنامي في ليبيا، بحصول وزارة الدفاع الروسية على قاعدة جوية بأكملها على الأراضي الليبية بضوء أخضر من قائد قوات الكرامة خليفة حفتر.

القاعدة التي يدور الحديث حولها، هي قاعدة معطن السارة التي كانت مهجورة منذ سنوات في الصحراء الليبية والواقعة على الحدود مع تشاد والسودان بحسب ما أفادت به وكالات الأنباء.

ومنطقة السارة تقع في موقع استراتيجي مهم، استُخدمت خلال الحرب الليبية – التشادية في الثمانينيات، وهي الآن في قلب عملية روسية كبرى ستؤثر بشكل كبير على نفوذها في منطقة الساحل الإفريقي.
وبحسب مصادر محلية فإن الفنيين الروس، يعملون على إعادة تشغيل القاعدة، واستعادة البنية التحتية مثل مدارج الهبوط والمستودعات ومن المقرر أن تصبح قاعدة معطن السارة مركزًا لوجستيًّا رئيسيًّا للعمليات الروسية في إفريقيا، ومركزًا مهمًّا لتدفق الإمدادات إلى مناطق أخرى في الساحل.

من جانبها نشرت شركة “ماكسار” صورا جديدة عبر الأقمار الصناعية اظهرت عمليات التحديث والتجهيز لتشغيل قاعدة معطن السارة والتغييرات التي تمت في القاعدة منذ يونيو 2024 وحتى ديسمبر 2024

واللافت أن الاهتمام الروسي بالملف الليبي يتعدى الإطار المحلي، بل له بعد إقليمي وأهمية استراتيجية في دعم حلفاء موسكو في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو وغيرها من الدول والجمهوريات في محاربة الإرهاب والجماعات المتمردة، وإيصال رسالة واضحة للقوى الغربية التي تعمل على زعزعة أمن وسلامة هذه البلاد، برفضها التام لأجنداتهم في المنطقة.

حيث وصلت دفعة جديدة من المعدات العسكرية الروسية الحديثة الى العاصمة المالية باماكو قادمة من ليبيا، الأمر الذي اعتبره مراقبون من نتائج تشغيل القوات الروسية لقاعدة معطن السارة وتطوير الخطوط اللوجستية.

وحملت القافلة العسكرية التي وصلت إلى باماكو معدات عسكرية متقدمة تشمل دبابات من طراز “T-72B3″، ومركبات قتالية من نوع “BMP-3″، وناقلات جنود مدرعة “BTR-82A”، بالإضافةً إلى مركبات تكتيكية متنوعة مثل “Spartak” و”Tigr” و”Linza” كما تم تسليم معدات هندسية وشاحنات مدرعة من نوع “كاماز”.

وتأتي هذه المساعدات العسكرية ضمن جهود تعزيز القدرات الدفاعية للجيش المالي في مواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة ومحاربة الإرهاب العابر للحدود، وتنفيذًا لوعود الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تجاه دول القارة السمراء فيما يخص مكافحة الارهاب والعمل مع الدول الصديقة على بسط الأمن والاستقرار في الدول التي عاشت لعقود في ظل الهيمنة والاستغلال الغربي لثرواتهم ومقدراتهم.

وجاءت وعود بوتين في اكتوبر ٢٠٢٤ خلال مؤتمر وزاري روسي – أفريقي انعقد في مدينة سوتشي الروسية، وقال الرئيس الروسي في كلمة ألقاها نيابة عنه وزير الخارجية سيرغي لافروف “بلدنا سيواصل تقديم دعمه الكامل لأصدقائنا الأفارقة في مجالات مختلفة”، مشيرًا الى أن هذا الدعم قد يتمثّل في “تنمية مستدامة، مكافحة الإرهاب والتطرف، الأمراض الوبائية، حل المشاكل الغذائية أو تبعات الكوارث الطبيعية”.

المركز الأوروبي لدراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

Read Previous

تعزيز الأمن في مالي.. المعدات الروسية تدخل ساحة المواجهة